إذا رأيت مشهد مؤثر فيه ظلم أتحسس وأبكي ،فهل هذا ضعف وقلة وعي ؟
بالعكس هذه صفة حميدة من صفات الإنسانالواعي ، صفة جميلة لشخص رقيق القلب نقيّالفؤاد على الفطرة
هناك حديث حفظته عندما كنتُ صغيراً لنبينا عليهالصلاة والسلام :
" مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد ،إذا اشتكى منه عضوٌ ، تداعى له سائر الجسدبالسهر والحمّى " متفق عليه
الرسول عليه الصلاة والسلام شبه هذه المشاعربالحب ، الذي هو معنى الود "توادّهم" ، وألبسهاصفة ثانية وهي الرحمة ..
مشهد :
عندما كنت في سجن أبها ، كان معي في الزنزانةشيخ مصري كبير بالسن امتلأتْ لحيته بياضاً قدسُجن هو وابنه معي في نفس الزنزانة ، وفي يومٍجاءه خبر وفاة ابنه الصغير ، وأنا كنت جالس معهأثناء تلقيه الخبر ، فما رأيته زاد على قوله : إنّا للهوإنّا إليه راجعون ، الحمدلله .. الحمدلله ، ورأيتُعينه تغرق بالدموع لكنها لم تتحدر من جفنه بعد ،أحسستُ بالمسؤولية وتكلمت باختصار عن الصبرلمدة دقيقة ، ثم قام الشيخ وصلى ركعتين ، رأيتُهيطيل السجود فيها ويهتز جسمه بكاءً أثناء دعاءسجوده للمولى تعالى .. وعندما انتهى من صلاتهجلس معي وقال : الحمدلله سألتُ الله أنْ يلهمنيالرضا عند القضاء فوجدتها .
فقلت بيتين في هذا المشهد:
أسكنتَ روحَهُ بالجنانِ وظلّها
والشوقُ يحضنُ روحَهُ متلهفا
أنزلتَ أهلَهُ بالسكينةِ منزلا
فامْنُنْ لهم أعلى الجِنانِ مَشارِفا
وهنا يبرز سؤال آخر ، أيهما أكمل في الوعي ،رقيقُ القلب الذي ترى الدموعَ في عيْنيه ، أم الثاني: الذي لا يبكي أبداً ؟ علماً أنّ كلاهما تتحلّىقلوبهما بالرضا ؟
الجواب :
لا شك أنّ صاحب الدمعة أكمل ، لأن شعور الرحمةتجلّى بقلبه فتأثرت العين رحمةً وحبّاً أكثر منالثاني ، وهذا حال العظام من التاريخ ، فانظرلسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما مات ابنهإبراهيم وقد ذرفت عيناه عليه ، وكان عبدالرحمن بنعوف حاضراً فكأنه استغرب الدموع ، فقال : وأنت يا رسول الله ؟ فأجابه : يا ابن عوف ، إنها رحمة ،ثم أتبعها بأخرى وقال : إنّ العين تدمع ، والقلبيحزن ، ولا نقول إلا مايُرضي ربنا ، وإنا بفراقك ياإبراهيم لمحزونون . والقصة رواها البخاري
فتأمل قوله عليه الصلاة والسلام : " إنها رحمة "هي رحمة من الله سبحانه يقذفها في قلب العبد ،ورحمةٌ من العبد لما يراه من مشاهد ، فاللهمّ ارزقنارقة القلب .
عبدالعزيز القطان 🌱