الثلاثاء، 24 يناير 2017

إذا رأيت مشهد مؤثر فيه ظلم أتحسس وأبكي ،فهل هذا ضعف وقلة وعي ؟

إذا رأيت مشهد مؤثر فيه ظلم أتحسس وأبكي ،فهل هذا ضعف وقلة وعي ؟

بالعكس هذه صفة حميدة من صفات الإنسانالواعي ، صفة جميلة لشخص رقيق القلب نقيّالفؤاد على الفطرة 

هناك حديث حفظته عندما كنتُ صغيراً لنبينا عليهالصلاة والسلام :
مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد ،إذا اشتكى منه عضوٌ ، تداعى له سائر الجسدبالسهر والحمّى " متفق عليه

الرسول عليه الصلاة والسلام شبه هذه المشاعربالحب ، الذي هو معنى الود "توادّهم، وألبسهاصفة ثانية وهي الرحمة ..

مشهد :
عندما كنت في سجن أبها ، كان معي في الزنزانةشيخ مصري كبير بالسن امتلأتْ لحيته بياضاً قدسُجن هو وابنه معي في نفس الزنزانة ، وفي يومٍجاءه خبر وفاة ابنه الصغير ، وأنا كنت جالس معهأثناء تلقيه الخبر ، فما رأيته زاد على قوله : إنّا للهوإنّا إليه راجعون ، الحمدلله .. الحمدلله ، ورأيتُعينه تغرق بالدموع لكنها لم تتحدر من جفنه بعد ،أحسستُ بالمسؤولية وتكلمت باختصار عن الصبرلمدة دقيقة ، ثم قام الشيخ وصلى ركعتين ، رأيتُهيطيل السجود فيها ويهتز جسمه بكاءً أثناء دعاءسجوده للمولى تعالى .. وعندما انتهى من صلاتهجلس معي وقال : الحمدلله سألتُ الله أنْ يلهمنيالرضا عند القضاء فوجدتها .

فقلت بيتين في هذا المشهد:

أسكنتَ روحَهُ بالجنانِ وظلّها
والشوقُ يحضنُ روحَهُ متلهفا

أنزلتَ أهلَهُ بالسكينةِ منزلا
فامْنُنْ لهم أعلى الجِنانِ مَشارِفا

وهنا يبرز سؤال آخر ، أيهما أكمل في الوعي ،رقيقُ القلب الذي ترى الدموعَ في عيْنيه ، أم الثانيالذي لا يبكي أبداً ؟ علماً أنّ كلاهما تتحلّىقلوبهما بالرضا ؟

الجواب :
لا شك أنّ صاحب الدمعة أكمل ، لأن شعور الرحمةتجلّى بقلبه فتأثرت العين رحمةً وحبّاً أكثر منالثاني ، وهذا حال العظام من التاريخ ، فانظرلسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما مات ابنهإبراهيم وقد ذرفت عيناه عليه ، وكان عبدالرحمن بنعوف حاضراً فكأنه استغرب الدموع ، فقال : وأنت يا رسول الله ؟ فأجابه : يا ابن عوف ، إنها رحمة ،ثم أتبعها بأخرى وقال : إنّ العين تدمع ، والقلبيحزن ، ولا نقول إلا مايُرضي ربنا ، وإنا بفراقك ياإبراهيم لمحزونون . والقصة رواها البخاري

فتأمل قوله عليه الصلاة والسلام : " إنها رحمة "هي رحمة من الله سبحانه يقذفها في قلب العبد ،ورحمةٌ من العبد لما يراه من مشاهد ، فاللهمّ ارزقنارقة القلب .


عبدالعزيز القطان 🌱

أول مقالة لي بعد خروجي من السجن

السجن ليس مكاناً لعذاب الروح وأيضاً ليس هو لنعيمها، فكم هو تعيس ذلك الشخص الذي تتحكم في أغلب أوقاته الظروف ..
إنّ جنتك ونارك في صدرك ، ولكلٍّ منهما سبيل تسيرُ إليه بجوارحِك .. وقلبُك هو السائس القائد
ولي من الشعر :
إنْ يحبسوا جسمي فروحي تسرحُ .. عندَ الإله بعرشِه تتمرّغُ

وقلتُ حينما كنت في سجن (ذهبان) في جدة :
وسموتُ في سجن البلاءِ مُحلقاً .. قربَ الإله فعمّني رضوانا
حسبي بذكركَ سيّدي يجلو العنا .. أشدو أيا قلبي ودعْ ذهبانا
هذي شِغافُ القلبِ فيك ترنّمت .. همسَ الحشا: سُبحانك سبحانا
ولقد خلوتُ مع السلام فزادني .. حبّاً وأنساً لا عدمتُ لقانا

يامن كسرتك الظروف أما قرأتَ من قبل (( وهو معكم أينما كنتم )) سورة الحديد ، أما استشعرت هذا الفضل العظيم منه سبحانه الرحيم ، أما استشعرت أنه سبحانه مع المؤمنين ، الصابرين ، المتقين ، المستغفرين ، هو معهم سبحانه بعلمه وقدرته وكرمه ومنته وتأييده فهل أنت معه ؟

في السجن ينشرح صدرك ويكبر حتى لكأنه يطير تحت العرش لا في زنزانته الضيقة .. تسمو النفس تحت العرش وتحضنها السكينة في حالة إيمانية عميقة لا أجد وصفاً قريباً لها إلا حالة الخشوع التي تعتريك وأنت تنصت لكلام العظيم جلّ جلاله من صوت الحصري رحمه الله ، ونعم أحياناً تهبط النفس لتراب الأرض فتستوحش وتضيق بالهم ، لأنها هبطتْ لعالم الدنيا فأخذتْ صفتها فصارت دنيّة

لاتقلْ مشكلتي والناس والظروف حالوا بيني وبين السكينة والسلام وراحة البال ، كلا ، فهل تعلم أنّ جميع (آيات السكينة) في القرآن الكريم وردت في آيات تتعلق بالحرب والمعارك ، أي في أسوأ الظروف ..

أجد الكلام يتفرع مني ويطول وله بقية بعون الله
عبدالعزيز القطان